«ليش زعلانين؟»

من الطبيعي أن تتفازع أطراف وتغضب وتهاجم عندما تُنسى أفضالها وأدوارها ‏في موضوع معين.
وهذا الحق لا يعرف غنياً أو فقيراً، مسلماً أو مسيحياً، من أي مذهب أو قبيلة أو أسرة أو عائلة كانت.
لا يمكن أن ننكر أن تصريح السيد محمد الصقر رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت بعد فوز لائحته في انتخابات غرفة التجارة والصناعة الكويتية حول دور التجار وأسرة الحكم في تأسيس الكويت والدستور قد قوبل بعاصفة من الغضب التي وصل بعضها الى حد التجريح، وهذا أمر غير مقبول أبداً لأي فئة من مكونات المجتمع الكويتي.. التجار أو الغاصة أو الطواويش أو القلاليف وغيرهم من أي فئة ‏من فئات المجتمع الكويتي، بدواً كانوا أم حضراً، قادمين من نجد أو إيران أو العراق أو الزبير من القبائل الرحل أو المستقرين أو غيرها.

‏يجب أن نعترف وبكل شفافية بأننا وصلنا في المجتمع الكويتي إلى مرحلة من الاهتزاز والاضطراب المجتمعي، الذي لم يعد يحتمل أي هزة أو أي تعدٍ من جانب على الآخر أو من طرف على الآخر، وإن كان الموضوع يصاحبه تضخيم كبير كما حصل في موضوع الصقر.

‏أنا هنا لست في موقع الدفاع عن الصقر أو غيره، لأن كل واحد ينتمي إلى قبيلة أو مذهب أو عائلة أو أسرة هو قادر على التعبير عن حقه والدفاع عن هذا الحق بكل أسلوب يستطيعه هو ويقدر عليه، إلا أن التمادي في هذا، سواء من طرف ألف ضد طرف باء، هو أمر لا يخدم في النهاية إلا فئة محدودة من هذا المجتمع. لأن هذه الفئة تعي إلى اي هاوية نحن نتجه اليها.. وتعلم عمق هذه الهاوية ونتيجة الارتطام بقاعها.

‏حكومتنا الصامتة من خلال اجهزتها، أين أنت مما يحصل في مجتمعك؟ أين أدواتك وأين مؤثراتك وإعلامك التوعوي، وأين اجهزتك في متابعة مثل هذه الامور، التي نتفق جميعاً على أنها تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها؟

‏أعجب حقيقة من هذه الحكومة، وكأن الامر لا يعنيها.. رغم أنها تعلم علم اليقين أن من يقف على رأسها سيكون هو المتضرر الأول والرئيسي والأخير في أي تداعيات لا سمح الله ممكن أن يؤدي إليها تمادي الوضع وترديه يوماً بعد يوم.. من دون تداركه.

‏شخصياً لا أتوقع من وزارة الإعلام أن تقوم بهذا الدور، لأن راسها متغير.. وكل يوم يلبس شكلاً مختلفاً، وكلما تعرف موظفو الوزارة على القائد الجديد، حتى يتبدل.. بكل ما يحمله من فكر وإقدام وقدرة على إتمام مهمته، التي اعتبرها هي أكثر المهمات حساسية وأهمية في مجتمعنا.

‏خللنا الأساسي في الكويت هو كثرة التغيرات والتحولات في الحقائب الوزارية، لأننا وللأسف لسنا في دولة مؤسسات تسير على نفس النهج باختلاف الرؤوس التي تتولى المسؤوليات.. ولكنها دولة وزراء وكبار مسؤولين، كل يأتي بنهجه وفكره وينسف ما قام به من قبله، وإن كان ناجحاً ومبهراً.

أعجبني ما تفضل به الزميل سامي النصف عندما قال إن الحروب الأهلية لا تبدأ فجأة، فالناس لا يستيقظون صباحاً ويقررون تدمير أوطانهم وقتل أشقائهم. وأشار إلى تقرير سبق مذابح رواندا.. لمراسل «وول ستريت جورنال» تحدث فيه عما هو قادم من مذابح بسبب لغة التخاطب بين الإذاعة التي تسيطر عليها إحدى القبائل والتلفزيون الذي تسيطر عليه القبيلة الأخرى، لافتاً إلى أن الحرب كما يقال «مبدأها الكلام».

‏أتمنى منا كلنا بغض النظر عن انتماءاتنا القبلية أو الأسرية أو المذهبية.. في إطار ‏أي مكون من مكونات المجتمع الكويتي، أن نعي بشدة تداعيات ما نقوله وكيف يمكن أن يصل، ويُفهم.. وكيف يتفاعل معه الإنسان العادي.. أو الملغوم الذي يتحين الفرص للانفجار والتفجير.

لا يمكن أن نتصور كيف يمكن أن تصل أي كلمة أو قول للناس، وإمكانية تحريف ما يقال أو اقتطاع أجزاء منه، أو إثارته بسؤال ملغوم ونوايا خبيثة.. كما يحصل وللأسف من بعض الصحافيين الذين يبدو أنهم يتلذذون بمشاهدة شرار الخلافات بين مكونات المجتمع الكويتي تنطلق من كل صوب وحدب.

‏نعم قد يكون لبعض الأسر دور فاعل في تأسيس الكويت، وهذا لا يمكن إنكاره، لأنه جزء من التاريخ، ولكن هذا لا يعني أبداً إنكار دور كل طوائف المجتمع الكويتي ومساهمتها بشكل فاعل في تطوير البلاد وانتقالها من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التنمية والتطوير.

لهذا نحن جميعا كمجتمع كويتي ساهمنا كل حسب قدراته وحسب ما كان يملك من طاقات وإمكانات في بناء وتطوير الكويت.. ويجب الا نغفل ذلك أبداً ولأي سبب كان.

هذا الوطن ‏وطن الجميع، والكويت كويت الجميع.. واستقرارها هو استقرار الجميع.

‏يجب أن نعي هذا جيداً، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة التي وللأسف يحب ألا تأخذ حيزاً أكثر مما تستحق في حياتنا.. لأننا مقبلون على فترة صعبة وغاية في الخطورة لا نعلم إلى اين ستأخذنا.. فترة تحتاج منا كشعب اللحمة وتضافر الجهود ومحبة بعضنا لبعض.. واكثر من ذلك يقظة حكومتنا من سباتها.

إقبال الأحمد
I.alahmad@alqabas.com.kw